آه يا مصر!
لن يبقي من دينك شئ سوي لغو فارغ ، ولن يلقي تصديقا حتى من أبنائك أنت نفسك
لن يبقي شيء يروي عن حكمتك إلا علي شواهد القبور القديمة
سيتعب الناس من الحياة ، ويكفون عن رؤية الكون كشيء جدير بالعجب المقدس
ولسوف تصبح الروحانية ، التي هي أعظم بركات الإله مهددة بالفناء ، وعبئا ثقيلا يثيرا احتقار الغير،،
تلك مقوله أثريه تنبأ بها هرمس مثلث العظمة (النبي إدريس) عما ستؤول إليه الأوضاع بمصر ,
فلكل حضارة أسس تبنى عليها فبنيت الحضارة المصرية وتشكلت بطابعها الخاص وعلومها وهندستها القائمة على الهندسة الإلهية مما انعكس على تشكيل الهوية المصرية المميزة طيلة عصور حكم المصريين القدماء , ولكن تميزها وتقدمها وسيطرتها على العالم جعل لها حاقدين و أعداء كثر أرادوا دائما كسر أنوفها , وهدم حضارتها العظيمة بهدم هويتها , فعمليه هدم الحضارة ومحاولات طمس الهوية المصرية استمرت وامتدت عبر قرون عده منذ ضعف الدولة المصرية في نهاية الدولة الحديثة واحتلال الفرس لمصر .
فالتاريخ يكتبه المنتصر, تلك الجملة الشهيرة التي قد يتفق أو يختلف معها الكثيرون ولكن هنا يمكننا تعديل الجملة قليلا لكي يتضح المعنى فالتاريخ يكتبه المنتصر المحتل بعد هزيمته للشعب صاحب الوطن , وهذا ما حدث عبر العصور التي احتلت فيها مصر فأخذ المحتلون والحاقدون الطامعون في ثورات مصر وخيراتها على تزييف التاريخ ونسب بعض أثارها لهم ووصف أنفسهم بالفاتحين المخلصون من جهة , وتدمير وطمس الهوية من جهة أخرى بطريقه تدريجية يمكن تلخيصها في بعض النقاط :
المنع والتجريم بمنع الروابط القوية التي تربط أبناء الوطن بتاريخهم وحضارتهم مثل العادات واللغة وتجريم من يفعل ذلك وفرض العقوبات عليه .
فرض دراسات وعلوم خاصة يضعها المحتل تتوافق مع سياسته .
إغلاق كل باب من أبواب العلم والتفكر وقد يصل الأمر لإخفاء كتب ومراجع هامه بل وإحراقها .
تمجيد كل ما هو أجنبي ويتبع هوية المحتل والتسفيه من أبناء الوطن وكل من يتمسك بهويته .
سرقه العلوم والانتفاع بها من قبل المحتل ثم تزيفها وتصديرها مزيفه لأبناء الوطن لضمان عدم اتصالهم وارتقائهم .
فيترتب على ذلك :
انتشار الجهل و انقطاع الاتصال بعلوم الأجداد .
قولبه العقول وطرق التفكير للدراسات التي يضعها المحتل فقط .
تفريغ العقول لاستقبال اى معلومة من المحتل دون البحث عنها .
التقليل من شأن كل من يحمل الهوية الوطنية والتصديق الأعمى لكل ما هو أجنبي .
بناء فاصل وجدار عازل بين الماضي والحاضر بين الأجداد و الأحفاد .
فمثال على ذلك عندما أحتل الفرس مصر نجد أنهم قتلوا العديد من المصريين المدنين وأحرقوه جثمان الملك أحمس الثاني, كما أمر قمبيز بهدم المعابد وإحراقها وهدم المسلات, ونجد أيضا أنه في عهد دارا الثاني أراد أن يفرض عباده النار على المصريين ذلك الأمر الذي باء بالفشل,وأيضا ما فعله أردشير من اضطهاد المصريين دينيا ومصادره الكتب الدينية ومنع الصلاة , هذه المحاولات وأكثر لم يفعلها الفرس وحدهم بل هو نهج أتبعه كل من جاء طمعا في مصر ومن بعدهم الإسكندر الذي غزا مصر وخاصة الإسكندرية وجعلها مقر له ونسبها إليه ولكي يحصل على تعاطف المصريين زار معبد أمون وأعطى لنفسه لقب أبن أمون , وليس الإسكندر فحسب فخلفاؤه من البطالمة عملوا على ذلك وحاولوا أقناع المصرين أنهم امتداد لأجدادهم المصريين القدماء فأعطوا أنفسهم ألقابهم ولكن بالامتزاج مع ثقافتهم الخارجة عن المعتقد الديني للمصريين ,
فمثلا عملوا على تزويج الأمراء والملوك لأخواتهم وألصقوا هذا العمل البغيض لحضارة المصريين القدماء , وأيضا عند اكتشافهم وترميمهم للمعابد المصرية القديمة نسبوها إليهم , كل هذه المحاولات لطمس الهوية والأفعال البغيضة واحتقار المصريين ودمج حضارتهم بحضارة المحتل للتزييف المتعمد لم تقدر على سرقه المصريين من هويتهم وديانتهم الموحدة وعلومهم حتى جاءت الطامة الكبرى بعصر الاحتلال الروماني عندما منع المصريين من استخدام لغتهم أو الكتابة بالنقش المقدس وليس منع وحسب بل كان تجريم يصل لحد العقوبة بالإعدام على كل من يتكلم باللغة المصرية القديمة , فكانت ضربه موجعه للأجيال التي نشأت في تلك الحقبة وأبعادهم عن المنبع والمصدر للهويه , ويعد عصر الاحتلال الروماني عصر الاضطهاد الكبير للمصريين وديانتهم وقتلهم ومحاربتهم لدرجه أنه سمى بعصر الشهداء حتى جاءت البعثة المحمدية لختام النبوة امتداد لسلسله النبوة والصراط المستقيم للدين القيم الذي أمن به المصريين منذ فجر التاريخ ولكن جاء الغزو من شبه الجزيرة العربية وكان في أوله فتح لتخليص المصريين من عذاب الرومان , وهذا ما رحب به المصريين لتخليصهم من الاضطهاد الواقع عليهم من المحتل الروماني وليس لنشر الدعوة لأن بالأصل المصريون يدينون بديانة الصراط المستقيم وعلى عهد كل الأنبياء والرسالة السماوية فالنبي محمد عليه الصلاة والسلام مثل باقي كثير من الأنبياء قد زار مصر وزار دير سانت كاترين وأستقبله الرهبان والقساوسة فكان المصريون يعرفونه ويؤمنون به لا يحتاجون للدعوة ولكن بعد عده أعوام وانتشار للفتن وخوارج العصر بدأت مرحله جديدة في مراحل طمس الهوية وهى مرحله تفريغ العقول حيث أنهمك المصريين في الفتن والاضطهاد ودفع الضرائب للوالي , ونلاحظ أيضا انتشار مصطلحات في تلك الحقبة فرقت بين المصرين مثل مصطلح (قبطي) و اقتصاره على مسيحي مصر وتجريد مسلمي مصر منها , فالأصل في كلمه قبطي هي مصري سواء أختار أن يؤمن بختام الأنبياء و رسالة محمد صل الله عليه وسلم أو أن يقف عند كلمه الله عيسي عليه السلام , و ما حدث أيضا من تغيير للغة المصريين للمرة الثانية بعد الرومان .
ومن الاحتلال العباسي وما حدث في نهايته من الاخشيدين و القرامطة إلى الفاطميين مع الوعود بالحفاظ على شعائر الدين وأنهم يحترمونهم ويضمنون لهم السلام والرخاء ..إلى أخره . فقد عمل الفاطميين أيضا على دمج الحضارات والعادات ونسبها إليهم وكما أننا لا نستطيع أن نتجاهل الإيجابيات التي حدثت في ذلك العصر من ازدهار في أوله من التجارة و الزراعة والتشييد , لا نجهل أيضا ما حدث للمصريين من فترات ضعف كبيره كالشدة المستنصرية,ومن الفاطميين إلى الأيوبيين إلى المماليك حتى الاحتلال العثماني فكل غازي للبلاد يكون طامع في ثرواتها فما بالك بأن يكون حاقد عليها ففي هذا العصر المظلم نهبت مصر وشعبها فكان عصر لطمس الهوية والعلماء وانتشرت الاغتيالات والتعذيب الشنيع لعامه الشعب وقتلهم بالشوارع وتدنيس الرموز الدينية و اقتحام الجوامع و احتقار المصريين وتفضيل غيرهم وعملوا على نقل العلماء وكبار رجال الدولة والحرفيين وأصحاب المهن إلى إستانبول فذكر أنه اختفت من مصر خمسون حرفه حينها , فأصبح هناك ركود في الصناعة والتجارة وانتشار الجهل والأمية بين عامه الشعب ,وليس هذا فقط فقد عملوا على تدمير الاثار فذكر عنهم أيضا أنهم كانوا يهدمون القطع الاثرية ويستخدمونها للبناء ومنعوا عادات كثيرة للمصرين ويكثر الكلام والحديث لما فعلوا العثمانيين بمصر, وبعد تلك العصور و الاحتلالات التي فرغت عقول المصريين من هويتهم و جعلتهم فى بعد تام عن الأصل , تأتى مرحله تزييف التاريخ و الهوية على يد نابليون بونابرت وما سماه هو ومؤرخيه الحملة الفرنسية وهو في واقع الأمر احتلال , فقد كتب مؤرخيه أنها حمله جاءت لنشر (العدل و الإخاء ) بحجه ما يفعله المحتل العثماني وقد سميت حمله برغم البطش والقتل الذي تعرض له المصريين فقد كان يأمر المصريين برفع العلم الفرنسي وعمل على إحراق عده قرى كانت لا تستجيب له ونهب الكثير من الاثار, ومن بعد هزيمة الفرنسيين في مصر وعوده مصر للعثمانيين مره أخرى لك أن تتخيل الحالة الثقافية للشعب المصري بعد كل التقلبات و الغزاة والحروب ,
فما كان من محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة كما أطلق على نفسه تلك العبارة إلا إرسال بعثات للخارج للتعليم فأنقلب حال مصر بعد ما كانت إمبراطوريه عظمى ولها تاريخ وعلوم عريقة يأتي إليها العلماء لنيل العلم والمعرفة منها أصبحت هي من ترسل أبنائها لكي يتعلموا ,و كما أنه لا أحد يستطيع أن ينكر النهضة حينها لا أحد ينكر أيضا استباحة أراضى مصر وكنوزها وأثارها حينها حيث كانت تباع مومياوات أجدادنا على الطريق وتباع بالقطع أحيانا !!
ولكن مع أرسال البعثات للخارج وبعد الاحتلال الانجليزي لمصر وما عاناه المصري من تهميش له طيلة عصور الاحتلال , فاصحبت الطبقات الأرستقراطية تبعث أبناؤها أيضا للخارج وبناء عليه أصبحت الحالة الثقافية للشعب منقسمة بين انتشار الجهل بين أبناء عامه الشعب وبين التعليم بالخارج لأبناء الطبقات الأرستقراطية أو من يلتحقون بالجامعات فكانت النواة الأولى للانبهار بكل ما يأتي من الخارج والتصديق له أو بما يعرف بالعامية عقده الخواجة , التي تحولت من كونها خاصة بالثقافة العلمية إلى العادات والتقاليد خصوصا فى فتره السبعينيات وبعد أن استقلت مصر وعاد الحكم لأبنائها بعد عده قرون من الاحتلالات التي مزقت ثقافتها , فالعودة للثقافة الأصلية كان بالصعب ما كان خصوصا مع انتشار مصطلح العولمة والهيمنة الأمريكية على عقول الشباب والتقليد الأعمى وعدم التمسك بالجذور , ولكن منذ سنوات انتهجت مصر نهج جديد وعادت لها القوه والسيادة مما يجعل المناخ غصب لها وفرصه على طبق من ذهب لأعاده الهوية ونشر ثقافتها من جديد وربط الماضي بالحاضر وأزاله التراب والزيف عن جواهرها الثمينة حيث أن أعاده الهوية والحفاظ عليها يلزمها القوه و السيادة وهذا بفضل الله ما تمتلكه مصر ألان , فيجب على كل مصري يشعر بالانتماء والفخر لهويته أن يبحث عنها في فصول التاريخ وأثار القدماء ونقشهم والبحث عن العلوم و إعلاء كل ما ينتمي لثقافة هذا الوطن .