بسم الله والصلاة والسلام علي سيدنا رسول الله وعلي آله وصحبه ومن والاه وبعد
من سلسلة ليتفقهوا في الدين نعيش معكم حول موضوع بعنوان(صيام التطوع بين العرف والدين)
بقلم الشيخ طة عبدالجليل
مما لا شك فيه أن التدين أمر فطري يخلق المرء به وتقربه إلي ربه تعالي بالطاعات أمر لا غني عنه لأنه زاد الآخرة وكلما أهل علينا شهر رجب عاش الناس في جو من القرب والطاعة تأهباً لشهر الصيام ولكن ،درب كثير من الناس علي التقرب إلي الله عزوجل بالطاعات وعلي رأسها الصيام تلكم القربة التي يستوي فيها الغني والفقير لأنها رأس مالها جهاد نفسه وشهواته ولا غرم فيها ليتميز الغني عن الفقير ،لكن ما نود التنبيه إليه هو أن المسلم لابد وأن يعي أن النية أمر هام في كل العبادات ومنها الصيام ،ومن الأمور التي تعود عليها الناس نسبة صيام التطوع في كثير من الأحيان إلي السنن والمأمورات ولو تركوا الأمر دون هذه النسبة لكان خيراً لهم ،فمنذ نعومة أظفارنا رأينا الآباء والأمهات ينسبوت للسنة في الطاعات لاسيما الصيام مالم يرد فيه أي خبر يصح،فمثلاً نسمع عن صيام أول رجب والذي يحرص علي صيامه كثير من العوام علي أنه سنة رغم أن أول رجب تحديداً بعينه لم يرد فيه شيئ وكذلك صوم السابع والعشرين من رجب علي أن ليلته حادثة الإسراء والمعراج ،ومع أن الإسراء والمعراج في رجب إلا أن روايات المحدثين لم تحدد أي ليلة كان ،وعلي فرض كونها ليلة السابع والعشرين منه إلا أنه لم يرد في تخصيصها بصيام خبر يصح،وإنما كل ماورد في صيام رجب الحديث الذي جاء فيه"عَنْ مُجِيبَةَ الْبَاهِلِيَّةِ عَنْ أَبِيهَا أَوْ عَمِّهَا أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ انْطَلَقَ فَأَتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ تَغَيَّرَتْ حَالَتُهُ وَهَيْئَتُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَعْرِفُنِى قَالَ « وَمَنْ أَنْتَ ». قَالَ أَنَا الْبَاهِلِىُّ الَّذِى جِئْتُكَ عَامَ الأَوَّلِ. قَالَ « فَمَا غَيَّرَكَ وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ ». قَالَ مَا أَكَلْتُ طَعَامًا إِلاَّ بِلَيْلٍ مُنْذُ فَارَقْتُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ ». ثُمَّ قَالَ « صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَيَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ». قَالَ زِدْنِى فَإِنَّ بِى قُوَّةً. قَالَ « صُمْ يَوْمَيْنِ ». قَالَ زِدْنِى. قَالَ « صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ». قَالَ زِدْنِى. قَالَ « صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ ». وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلاَثَةِ فَضَمَّهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا"
ومدلول الحديث علي أن من السنة أن يصوم أيام من الأشهر الحرم دون صيام سائر الشهر لأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يرد عنه أنه صام شهراً كاملاً سوي رمضان كما أن الصيام في الأشهر الحرم لم يرد فيه تحديد أيام بعينها فمن صام علي أنه كذلك كان خيراً له ومن صام علي أن السنة نصت علي هذا اليوم وغيره بعينه من الشهر الحرام صح صومه ولكن عليه تجديد نيته وليكتف بكونه يوم من الشهر الحرام ، ولم تحدد السنة أياماً في صيام التطوع سوي يوم التاسع من ذي الحجة(يوم عرفة) ويومي التاسع والعاشر من المحرم والأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر هجري وليس من رجب وشعبان فحسب ويومي الأثنين والخميس من كل أسبوع ،وفي تخصيص باقي الأيام التسع الأوائل من ذي الحجة خلاف بين الفقهاء والراجح أنه لم يؤكد فيها إلا التاسع فقط،ومن طريف ما ورد في ذلك تسمية الأيام الست من شوال الأيام بالأيام البيض وإنما المقصود الحقيقي بالبيض هي التي يكون القمر فيها بدراًكاملاً وهي وسط الشهر لا أوله ،بل إن كثيراً من الفقهاء استحب عدم التتابع فيها المهم أن تكون المحصلة في الشهر كله ستة أيام ،كما رأي الإمام مالك رضي الله عنه كراهية كونها عقب يوم عيد الفطر مباشرة ليسد ذريعة وصل الفريضة بالتطوع حتي وصل الأمر ببعض الناس قلة الطعام يوم العيد ليدرب معدته علي مواصلة الصوم دون انقطاع مما لم يرد في محمدته أي أثر يصح،كذلك من يصوم يوم الخامس عشر من شعبان وحده علي أنه صبيحة ليلة النصف مع أن قيام ليلة النصف منفردة أمر فيه خلاف فضلاً عن صيام نهارها بعينه لكن الوارد صيام نهارها لكونه من الأيام البيض لا لكونه نصف شعبان فاتقوا الله عباد الله ولا تنسبوا لصحيح السنة في التطوع مالم يصح فيه شيئ ولا تنهوا عن قربة ولكن بإطلاق دون تقييد بأمر أخذتموه عن العرف والدين أطلق فيه ولم يقيد ولم يحدد والله تعالي أعلم وإلي لقاء آخر إن شاء الله.