الحمدلله والصلاة والسلام علي سيدنا رسول الله وعلي آله وصحبه ومن والاه وبعد
فمن الألفاظ التي شاعت بين الناس وهي خطأ عبارة(لا حياء في الدين)والحقيقة أن الدين كله حياء،لأن الحياء المحمود من شعب الإيمان وقد ورد في الحديث الشريف قول النبي صلي الله عليه وسلم"الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ"وجاء في الحديث أيضاً«اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» ، قُلْتُ: إِنَّا لَنَسْتَحِي يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ مَنِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْيَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» كما ورد في السنة المطهرة ذم من لا يستحيي «مَا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنَ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِلَّا قَوْلَ الرَّجُلِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»وقد قلت الحياء المحمود قصداًلأن هناك نوع من الحياء مذموم ومنه صور شتي أذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر حياء الجاهل من طلب العلم في سن معينة ،جاء في الأثر(يضيع العلم بين شيئين الكبر والحياء)ومنه حياء صاحب الحق في مطالبته بحقه ،ومنه الحياء في النهي عن منكر أو معصية أوخلق سيئ لمكانة المخاطب بين الناس ،وإن كان الأخير هذا ليس علي إطلاقه وإنما له ضوابطه وأهله ليؤتي ثماره المرجوة ولا ينقلب بعكس المراد ،وكان النبي صلي الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ،وقد ذكرت سورة الأحزاب تجسيد الحياء المحمود في قصد سيدنا موسي عليه السلام مع قومه قال تعالي" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا"وقد ورد بيان ذلك في الحديث"قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى سَوْأَةِ بَعْضٍ وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلَّا أَنَّهُ آدَرُ قَالَ فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِ مُوسَى قَالَ فَجَمَحَ مُوسَى يَأْمُرُهُ يَقُولُ ثَوْبِي حَجَرُ ثَوْبِي حَجَرُ حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى سَوْأَةِ مُوسَى وَقَالُوا وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ فَقَامَ الْحَجَرُ بَعْدُ حَتَّى نَظَرَ إِلَيْهِ فَأَخَذَ ثَوْبَهُ وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ نَدْبًا سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً ضَرْبُ مُوسَى بِالْحَجَرِ" ومضمون كل ذلك أن الحياء شعبة من الإيمان ،أي أنه جزء لا يتجزأ من الدين ،والصواب أن نقول (لا حياء في العلم) ومن هذا المنطلق كانت نساء الأنصار لا يستحين أن يسألن ليتعلمن في الوقت الذي استحت فيه كثير من النساء واستحيا كثير من الرجال أن يسألوا فضاع كثير من العلم بسبب الحياء المذموم حتي أثنت أمنا عائشة رضي الله عنها عليهن فقالت" نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ"ومن هذا الباب كان سؤال أم سليم رضي الله عنها للنبي صلي الله عليه وسلم والذي صدرته بالعبارة الرائعة "إن الله لا يستحيي من الحق"فقالت ": يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال نعم إذا رأت الماء"وحينئذ ضربت أم سلمة رضي الله عنها علي صدرها متعجبة وقائلة :"وَهَلْ تَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : تَرِبَتْ يَمِينُك ، فَبِمَا يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا إذنْ."وسؤال غيرها عن غسل المحيض وكيفيته وسؤال علي رضي الله عنه والذي تجنب فيه الحياء المذموم والتزم المحموديقول"كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَكُنْتُ أَسْتَحِي أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ"فلم يمنع الحياء المذموم علياً رضي الله عنه من السؤال عما لا يعلمه ،في الوقت الذي دفعه فيه الحياء المحمود أن لا يكون السؤال مباشرة للنبي صلي الله عليه وسلم ،وإنما كلف من سأل له وأثلج صدره بمعرفة الجواب وغير ذلك كثير من الصور التي تصحح عبارة (لا حياء في الدين )الخاطءة ،بعبارة(لا حياء في العلم)الصائبة والله تعالي أعلم ،وإلي لقاء آخر إن شاء الله.